طاعة الزوجة لزوجها حق له تستلزمه مكانته في الأسرة بصفته قيما لها، فمن كانت له القوامة حقت له الطاعة، فالطاعة إذًا هي الوجه المقابل للقوامة، وإذا انتفت أصبحت القوامة مهمة اسمية جوفاء لا تطبيق لها في واقع الحياة الزوجية.
وليست طاعة المرأة لزوجها إلا فرعاً من طاعة أولي الأمر التي فرضها الله على عباده المؤمنين، ففي سورة النساء نجد قوله تعالى: ( يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم ).
فالزوج يعتبر ولي أمر الزوجة وبالتالي تجب طاعته ضمن حدود دائرة طاعة الله ورسوله r، ومن تشق عصا الطاعة على زوجها فقد عصت ربها … وقد أكد الله تعالى هذه الصفة في الزوجة الصالحة فى سياق آية القوامة، فبعد إقرار مبدأ قوامة الرجل وبيان مسوغاتها وصف الله جل وعلا النساء الصالحات وصفاً خبرياً بقوله:
( فالصالحات قانتات حافظت للغيب بما حفظ الله )
ونفهم من تعريف " الصالحات " أنهن المتصفات بكمال صفة الصلاح نظراً إلى أن أداة التعريف هنا تدل على الكمال باعتبار استغراق هذه الأداة لكل عناصر الصلاح كما يقول علماء البلاغة.
أما وصف الصالحات بأنهن ( قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ) فهو يدل على أن المرأة الصالحة لا يوجد فيها نقيض هذا الوصف..
وهذا أبلغ من أمرهن بالطاعة وحفظ الغيب ونهيهن عن المعصية وخيانة الأمانة .. وهو أسلوب تربوي رباني حكيم يعتمد على استخدام التوجيه غير المباشر بالتكليف مما يتلاءم والنفس البشرية، كما يدل على أن هاتين الصفتين هما بمثابة نتيجة لازمة لصلاحهن وانصياعهن لقوامة أزواجهن وحمايتهم، ولا تتجلى أهمية هاتين الصفتين إلا بتحليل معناهما: " فالقانتات " مأخوذة من القنوت، والقنوت في كتب اللغة يعني الطاعة، والقانت: المطيع، فالقانتات: المطيعات، والسياق هنا يشير إلى طاعتهن أزواجهن، وطاعتهن الله بقيامهن بما يتوجب عليهن من حقوق الله وحقوق أزواجهن، وهذا ما ذكره المفسرون القدماء، وقد أشار الإمام الرازي في تفسيره إلى هذا المعنى بطريقة استنباطية بقوله:
" واعلم أن المرأة لا تكون صالحة إلا إذا كانت مطيعة لزوجها، لأن الله تعالى قال: ( فالصالحات قانتات ) والألف واللام في الجمع يفيد الاستغراق، فهذا يقتضي أن كل امرأة تكون صالحة فهي لابد وأن تكون قانتة مطيعة ".
وأما قوله تعالى بوصف القانتات " المطيعات " بأنهن أيضاً ( حافظات للغيب بما حفظ الله ) فهو معنى آخر مكمل لصفة الطاعة مبيناً دوافعها وأسبابها .. متضمناً بنودها.
وقد ذهب معظم كبار المفسرين إلى عدة معان مستخلصة من هذه الآية، كلها تدور حول ما تقدم، فالحفظ للغيب يشمل كل ما على المرأة حفظه في غيبة زوجها فيما استؤمنت عليه من ماديات ومعنويات، بما في ذلك أمور تتعلق بنفسها وأنوثتها وعرضها، وأخرى تتعلق بزوجها من أسرار وأهل وولد وبنت ومال.. والغيب يشمل أيضاً كل ما غاب عن علم الزوج واستتر عنه في حضوره وغيابه ومن تحفظ ما استؤمنت عليه في غياب زوجها تكون قد استحقت لقب الصالحة القانتة " المطيعة " يحدوها في ذلك أمور مختلفات نستشفها من قوله تعالى: ( بما حفظ الله ).
وقد أشار المفسرون إلى هذه المعاني وفسروها بمعان عدة يظهر منها بالتدبر ما يلي:
1- ( بما حفظ الله ) أي بمقابل ما حفظ الله لهن من حقوق عند أزواجهن وغيرهم ومما حفظ لهن من حقوق عند الأزواج.. حسن العشرة والقيام والقوامة على الوجه الصحيح وتأدية النفقة وغيرها، وهذا يجري مجرى هذا بذاك، أي أن مطالبة الزوجة بالطاعة وبالحفظ بالغيب هو مقابل بما حفظ الله لهما بأحكامه الشريعة في المجتمع.
2- ( بما حفظ الله ) أي بحدود ما أمر الله بحفظه من أشياء .. وتدخل فيها طاعة الزوج وتأدية حقوقه لأن الله أمر بذلك.
وكما أوصى الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم معشر الرجال بحسن عشرة النساء في مناسبات مختلفات استناداً إلى المبدأ الشرعي الذي دل عليه قول الله عز وجل في سورة النساء: ( وعاشروهن بالمعروف )، فقد أكد على صفة الطاعة وطلب رضى الزوج من قبل النساء، والأحاديث الواردة بهذا الشأن كثيرة منها ما يلي: قوله r " إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها، وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت " [أحمد وابن حبان]
بل إن طاعة المرأة لزوجها وحسن تقبلها له يرفع أجرها إلى مرتبة المجاهدين في سبيل الله.. قالت امرأة يا رسول الله؛ أنا وافدة النساء إليك ! ثم ذكرت ما للرجال من الجهاد وغيره من الأجر والغنيمة، ثم قالت: فما لنا من ذلك ؟ فقال رسول الله r: أبلغي من لقيت من النساء أن طاعة الزوج واعترافاً بحقه يعدل ذلك وقليل منكن من يفعله " [البزار والطبراني ].
وطاعة المرأة لزوجها ينطبق عليها ما ينطبق على طاعة أولي الأمر التي حددها الرسول r بقوله: " إنما الطاعة في المعروف "[متفق عليه].
وبقوله :r " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق "[أحمد].
فطاعة المرأة لزوجها لا تعني أن تكون طاعة عمياء تلغى فيها شخصية المرأة لتكون أشبه بآلة تنفذ دون تفكير أو رويه، بل لابد أن تكون طاعة متبصرة رشيدة، تعي فيها المرأة ما عليها القيام به، وتدرك أن سلوكها هذا فيه مصلحتها ومصلحة أسرتها بكافة أفرادها، ومصلحة مجتمعها، مع ضرورة الإشارة إلى أن باب الشورى والمراجعة في بعض الأمور في الأسرة أمر مباح ابتداءً، وقد روت كتب السيرة أن نساء النبي r كن يراجعنه (يناقشن أوامره) وتهجره الواحدة منهن اليوم إلى الليل (أي طول النهار. )
وتطلب الطاعة من الزوجة في مسيرة الحياة الزوجية في أمور عدة أهمها:
-عدم عصيان الزوج في أدائه حقه الغريزي الذي شرعه الله له .. وهذا الأمر بالذات بالإضافة إلى أنه حق خاص للزوج ابتداء فقد قال تعالى بشأنه:( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنا شئتم ).
فإن تقاعس الزوجة أو امتناعها عن أدائه يعتبر من كبائر الذنوب التي ترتكبها الزوجة في حق زوجها، وقد أكد الرسول الكريم على ذلك بأحاديث مختلفة منها:
-عن أبى هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله r: " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح " [متفق عليه]
وفي رواية لهما: " إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح ".
وفي رواية أخرى قال r : " والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فرشاها فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها ".
ومراعاة لهذا الحق فلا يجوز للمرأة أن تصوم صيام تطوع وزوجها شاهد إلا بإذنه، فعن أبى هريرة -رضى الله عنه- أن رسول الله r قال: " لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا باذنه " [ البخارى]
ومن هذه الأمور عدم عصيان الزوج في إدخال بيته من يكره أو يمنع من دخوله كائناً من كان، ففي الحديث: " لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا باذنه " [ متفق عليه].
وكذلك الأمر إذا منعها من الخروج فعليها أن تمتثل وتقر في بيتها، فعن أنس -رضي الله عنه-أن الرسول r قال: " أيما امرأة خرجت من بيتها بغير إذن زوجها كانت في سخط الله تعالى حتى ترجع إلى بيتها أو يرضى عنها زوجها " [الخطيب وصححه السيوطي].
ومن طاعة الزوج التي يشملها حفظ الغيب محافظة المرأة على نفسها وعلى بيت زوجها وولده وماله، وأن ترعى ذلك حق الرعاية فتعف نفسها عن كلّ ما حرم الله وكره الزوج، ولا تتصرف في مال زوجها من غير إذنه، ولا تنشئ أولادها على أمر لا يرضاه الله ولا زوجها، وقد وصف الرسول r المرأة الصالحة بقوله: " ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيراً له من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله " [ابن ماجة].
ومن بنود الطاعة أيضاً متابعة الزوجة بعلها في المسكن طالما كان مستوفياً الشروط الشرعية، وكان الزوج قائماً بحقوقها كاملة، وإلا فما معنى " الزوجية " إذا كان كل من طرفيها بعيدًا عن الطرف الآخر؟ وأين ظلال السكن والمودة والرحمة ؟ ومن فعلت خلاف ذلك تعتبر ناشزًا عاصية يحق للزوج إلزامها بالعودة إلى المتابعة بالمسكن بسلطة القضاء الشرعى.
ويتجلى حق الزوج في الطاعة من قبل الزوجة في أبرز صوره، في مجال تأديبها في حال نشوزها، وفق المراحل المتدرجة التي أمر بها الشارع الحكيم وهي: الوعظ، فالهجر في المضجع، فالضرب غير المبرح المأذون به شرعاً وفق شروط محددة، حتى تفيء إلى أمر الله، وترجع إلى الطاعة التي تعتبر سياجاً يحميها من أي تماد من قبل الزوج، أو طغيان بغير حق قال تعالى: ( فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً ).
وهذا الأمر في آية القوامة يحجم دور الزوج ضمن الحدود التي رسمها الشرع، ويمنعه من استخدام ما خوله الله من سلطة في ردعها عن عصيانه في غير وجه حق.
والمرأة الصالحة القانتة مطيعة بالفطرة، ومطيعة بالفكرة.. أما طاعتها بالفطرة فتعود إلى ما جلبت عليه من صفات وغرائز تتناسب مع المهمات التي خلقت من أجلها، وأما طاعتها بالفكرة فترجع إلى أن المرأة العاقلة الصالحة تدرك ما لها وما عليها، وترى أن من واجب الرعية طاعة راعيها لما في ذلك من المصلحة العامة، لا سيما وأن جو السكن الأسرى النفسي المفروض توافره في الأسرة المسلمة لا يمكن تحقيقه إلا إذا تحققت القوامة الرشيدة من قبل الزوج، والطاعة المتبصرة الحميدة من قبل الزوجة، مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن طاعة الزوجة سلباً أو إيجاباً تسري إلى أولادها بالقدوة والتقليد .
ويكفى المرأة عظة هذا الحديث.. قال الرسول r: " لو كنت آمراً أحدًا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها وهي على قتب لم تمنعه " [ أحمد وابن ماجة وابن حبان في صحيحه].
هذه الوصايا بطاعة الزوجة لزوجها تجعل البيت المسلم مملكة من السعادة والهناء، والفرح والسرور، والاستقرار النفسي والسكن السعيد، وبغير الالتزام من الطرفين بهذا المنهج القويم يتحول البيت إلى قطعة من الجحيم، وحقل من الألغام التي تفجر أركانه وتقوض بنيانه.
قال تعالى: ( فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيمة أعمى. قال رب لم حشرتنى أعمى وقد كنتُ بصيراً. قال كذلك أتتك آيتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى. وكذلك نجزى من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ).
^~^ أوسمتى ^~^
موضوع: طاعة الزوج 
الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:24 am
مواضيع لم
تغذية rss
أفضل 20عضو
أفضل اعضاء اليوم
جديد المواضيع
مشـــــاركاتي
قوانين المنتدى
التسجيل